موقع عمريت الاثري - سوريا طرطوس
موقع عمريت
تقع آثار عمريت، المدينة الفينيقية القديمة في محافظة طرطوس و على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب من مدخل طرطوس بالقرب من الشريط الساحلي. تتوزع آثار و بقايا المدينة على مساحة كبيرة، حيث مازالت هنالك بقايا الأماكن العامة كالمعبد و الملعب و المقابر وغيرها. تعود أهميتها إلى أنها تشكل أكبر منطقة أثرية على الساحل السوري التي تعود فترة إزدهارها للمرحلة الفينيقية المتأخرة، أي منتصف الألف الأول قبل الميلاد. يمكن لزائر آثار المدينة رؤية جزيرة أرواد السورية و التي تبعد حوالي ثلاثة كيلومترات من عمريت و كذلك يمكن للزائر أن يرى ثلوج و قمة سلسلة جبال لبنان (قرنة السودا) إلى الجنوب عندما يكون الجو صحوا و السماء صافية.
تاريخ المدينة
يعود تاريخ إستيطان الساحل السوري عموما إلى مليون عام، حيث يوجد هنالك العديد من التلال الآثرية التي تحوي بين طبقاتها العديد من اللقى التي تعود إلى تلك الحقب المختلفة، نذكرمنها تل رأس شمرة (أوغاريت) و تل كزل و تل سوكاس و غيرها. يمكن لنا تقيسم تاريخ الإستيطان الكثيف للساحل الشامي في حقبة ما قبل الميلاد و ما بعد إختراع الكتابة في مابين النهرين، إلى فترتين، الأولى و التي تسمى بالحقبة الكنعانية و ذلك حتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث جاءت في منتصف هذا القرن جماعات تسمى "شعوب البحر" و دمرت المدن الكنعانية المزدهرة واحدة تلو الأخرى حتى وصولهم لشبه جزيرة سيناء و تم دحرهم من قبل ملوك بلاد النيل، و الثانية تسمى الفينيقية (الكنعانية المتأخرة) و تمتد حتى مجيئ الأسكندر المقدوني في العام 333 ق.م و تخللها قبل ذلك بقرنين السيطرة الأخمينية لبلاد الشام. لا تتصف تلك التقسيمات بالتقسيمات الأكاديمية المتعارف عليها من قبل العلماء جميعا و إنما هي محاولة لمعرفة تاريخ المنطقة الساحلية على العموم و خاصة أنه لا يوجد إتفاق تام بين علماء الغرب و علماء و دارسي التاريخ الشرقيين على بعض التسميات و تقسيم الفترات التاريخية. فالأسماء " كنعان و فينيقيا" يمكن أن يأخذان العديد وجهات النظر.
عمريت كمدينة كنعانية متأخرة (فينيقية) كانت واحدة من أهم المدن على الساحل السوري. تأسست المدينة حسب اللقى التي وجدت في طبقات التل الأثري الذي تقع عليه المدينة في الالف الثالث قبل الميلاد. خضعت المدينة إلى سيطرة العديد من القوى الكبرى آنذاك، كالأشورية و البابلية الفارسية حيث كانت تحمل المدينة في هذه الفترة أسم ماراتوس وقد عاشت فترة إزدهار أمتدت على ما يبدو من بداية القرن السادس قبل الميلاد إلى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد حيث دمرت المدينة من قبل ملك مدينة أرادوس (جزيرة أرواد) و لعب الزلازل المتعددة التي شهدها الساحل السوري من تدمير المدينة على مر الزمن. بالرغم من ذلك فقد حافظت المدينة على بعض أجزائها بشكل جيد. في منتصف القرن التاسع عشر بدأات التنقيبات في عمريت من قبل العالم الفرنسي دونان الذي قام بعدة أعمال تنظيف و سبر للمعبد و القبور الملكية. ثم في منتصف القرن العشرون تابعت المديرية العامة للآثار و المتاحف التنقيبات و إدارتها.
المعبد – المركز الديني المهم للمدينة
يعتبر معبد عمريت الفينيقي من أهم المعابد التي تعود للحضارة الكنعانية الفينيقية و أميزها و أكثرها محافظة على أجزائه. لا يمكن تحديد بداية نشؤء المعبد بدقة و لكن يعتقد أنه بني مع بداية القرن السابع قبل الميلاد و دمر في القرن الثالث قبل الميلاد على الأغلب أو ربما أثناء الفترة الفارسية من قبل حكام الولاة بناء على على تحريض من الفرعون المصري آنذاك. كرس المعبد، كما هو الحال معبد صور لإله الشفاء ملكارت (ملقارت) و يشير هيرودوت إلى أن عبادة هذا الإله سحيقة في القدم قد تعود للألف الثاني قبل الميلاد. تبلغ أبعاد المعبد المنحوت كليا في الصخر 47 م و 39 م بعمق 3 م. يقع في وسط الحوض الصخري الذي كان آنذاك يملأ بالماء عبر قناتين مائيتين من نهر عمريت المجاور، يوجد قدس الأقداس و هو عبارة عن محراب صخري كانت يوضع فيه تمثال الإله ملقارت الفينيقي، الإله الشافي من الأمراض و الذي عرف عند اليونان بأسم هيراكلس و إشمون عند المصريين.يعتقد أن سكان المدينة كانوا يتضرعون له عبر تقديمهم للعطايا و النذور عبر رميها في الحوض المائي. كما يعتقد أن الكهنة كانوا يقومون في قوارب صغيرة بالطواف حول قدس الأقداس.
ملعب عمريت و الألعاب الأولمبية
تبلغ أبعاد المعبد 225 *30 مترا و يقع على بعد حوالي 200 متر إلى الشمال الشرقي من المعبد. للملعب من جانبيه درجات للمتفرجين (عشر درجات) على كل جانب. يعود بناء الملعب إلى الفترة ما قبل الأخمينية أي إلى نهاية القرن السابع و بداية السادس قبل الميلاد و هو أقدم من معبد أولمبي في اليونان بمئة عام على الغالب. إلا أن هنالك من المنقبون، الذين يرجعون تأسيسه حسب اللقى التي وجدت به إلى الفترة الهلينيستية أي القرن الرابع قبل الميلاد. إن الحديث عن قدم الألعاب الأولمبية و نسبتها لعمريت أو لبلاد اليونان يطول و لكن من المؤكد أن تأثير الحضارة الكنعانية الفينيقية على بلاد شبه جزيرة المورة و باقي الجزر اليونانية كبير جدا و لا عجب أن يكون بداية النشاط الرياضي المنظم قد أنطلق من الساحل السوري و تأثرت به بلاد الأغريق كما تأثروا بالملاحة و الأبجدية و غيرها.
القبور في عمريت
يرى زائر عمريت من مسافة بعيدة أثنين من النتوءات الصخرية اللولبية الشكل و المكونة من قطع منحوتة من الصخر الكلسي الذي تتصف به المنطقة و هي المقابر العائلية و التي تسمى اليوم بالمغازل (كونها تشبه المغزل في شكلها المخروطي). تعتبر هذه المغازل رمز للخصب و الحياة و هي تعلوا القبور التحت أرضية التي نحتت في الصخر و التي كانت تستقبل التوابيت الرخامية التي تحوي رفات المتوفون و جثامينهم. يعتقد أنها كانت مخصصة للعائلات الغنية أو ربما الملكية. يمكن للسائح اليوم أن يرى نماذج من تلك التوابيت معروضة في المتحف الوطني في طرطوس الواقع بوسط المدينة القديمة.
عند النزول إلى القبور بعمريت يمكن مشاهدة غرفة صخرية لا تتجاوز أبعادها 3*3*2 م و لها غرف تتفرع عنها في الصخر، حيث كانت توضع تلك التوابيت جنبا إلى جنب. لا يوجد حاليا في هذه القبور أي من التوابيت و إنما يمكن رؤيتها في المتحف بالمدينة. هذا النوع من القبور فريد من نوعه و خصائصه المعمارية، حيث تربط في فنه فكرة الحياة (القسم العلوي فوق الأرض) و الموت المتمثل بالقسم السفلي من القبر.
0 comments: