حين بدأ الصراع مع سورية..؟
أدرك الكثير من القرّاء أن حرب الغاز هي حرب مصيرية على مستوى العالم والمنطقة، وهي القلم الذي سيخطّ الخرائط السياسية والجيوسياسية للسنوات والعقود القادمة، ودائماً كان السؤال متى تنتهي الأزمة في سورية، فقد أدرك الجميع وقتها أن ما يحدث على أرض سورية هو حرب كونية، والتكهن بنتائجها وعمرها صعب، ومطلع هذا العام توقعت أن يكون شهرا شباط وآذار هما الأكثر دموية، وبنفس الوقت هما نهاية عهد سيطرة العصابات المسلحة على أي جزء من سورية، وتكهّنت فيه حسب معطياتي عن العصابات المسلحة وقدراتها وقدرات الجيش بأن تكون نهاية آذار هي نهاية العصابات المسلحة وبسط الدولة السورية سيادتها على كامل أرضها ووزوال الخطر نهائياً، وأن تكون نهاية أيار نهاية الأزمة أو ارتدادها إلى أرض من أرسلها لنا، أي نقلها لأرض الخصم وتوسع ساحة الصراع، وقد ظهرت معالم هذه النقطة، وكانت المراهنة على القوات المسلحة السورية مراهنة ناجحة وصدقت توقعاتي، وعادت الدولة لحمص وإدلب وبعض مناطق ريف دمشق، ولكن عادت الرسائل من القراء تسأل ماذا بعد؟!.. حيث إن الكل يدرك اليوم أن هذه المعركة معركة أقرب لمعارك كسر العظم ويستحيل أن يستسلم الأمريكي بسهولة، والسؤال الأهم: ماذا بعد الثاني عشر من نيسان موعد وقف إطلاق النار؟. وفي مقال أسرار زيارة الرئيس الأسد إلى بابا عمرو قلت إن مهمة كوفق أنان هي طريق حل وليست فرصة لإعادة تسليح المجموعات المسلحة، ويكفي إلقاء نظرة على تصريحات المسؤولين السوريين لتبيّن هذه الخلاصة، حيث لن يُسمح بعد الآن بتكرار تجربة المراقبين العرب، فما هو سبب قوة الموقف السوري..؟.
عن وقف إطلاق النار..؟
يكفي أن يتوقف إطلاق النار يوماً واحداً على كامل الأراضي السورية حتى تحتفل سورية بالنصر، وأذكر أنه في إحدى الجُمعات التي لم يسقط فيها ضحايا هلّل الإعلام السوري للإنجاز الوطني وقتها، كما أذكر تصريحات وزير الخارجية القطري في الثالث من نيسان العام الفائت، حين زار سورية تحت قصف قناة "الجزيرة" لسورية وقال من دمشق: "نقف مع القيادة السورية في وجه المؤامرة وما يحاك لسورية والشعب السوري"!!... يومها كان يعتقد أن سورية ستقسّم وتحترق دون أن يكشف نجمة داوود على ذراعه، ولكن جرت الرياح بما لا يشتهي حمد و(شمر عن زنوده) وبدأ بالتصعيد والتصعيد حتى (ما بقي بالميدان غير حديدان)، وحديدان هو(القطري والتركي والسعودي)، والتركي الذي كان ينصح ويقدّم لنا النصح بداية الأزمة، وكان وزير خارجيته في زيارات مكوكية لا يعادل كثافتها إلا كلامه عن الفرصة الأخيرة الذي كرّره ملايين المرات، بعد أن كُشف وجهه حين سقط مشروع التقسيم، والسعودي الذي نقل رسالة أمريكية لسورية في أول يوم من الأحداث وحافظ على اتصالاته بالقيادة السورية والتضامن معها، حتى أرغموه على الحديث بالديمقراطية وصولاً لطلب تسليح المعارضة، والقطري الذي سفيره أقام وليمة للسفراء العرب في دمشق حين كانت السياسة القطرية تقول إن قناة "الجزيرة" مستقلة والقيادة القطرية مع الشعب السوري في التصدي للمؤامرة حتى أصبحت الجزيرة (سكرة أمام عدوان قناة الجزيرة).
وهؤلاء الشجعان الثلاثة (القطري والسعودي والتركي) يريدون وقف القتل في سورية فهل سيدعمون مبادرة وقف إطلاق النار ووقف القتل؟.. ويسمحون لسورية بأن تنتصر؟.. طبعاً الجواب عند سيد قرارهم وهو الأمريكي وإن كانوا سيدفعون الثمن عنه.
عن إرهاب الشجعان الثلاثة..!
لن أتكلم عن الفرنسيين ولا عن الأفغان ولا عن الجنسيات العربية وتنظيم "القاعدة" الذين سفكوا الدم السوري، ولكن ما يجمع الشجعان الثلاثة أنهم أفشلوا مبادرة جامعة الدول العربية، وبالتالي أفشلوا فرصتهم في إطلاق سراح (زعرانهم) وحفظ ماء وجوههم، فمن تركيا لدى سورية 49 ضابطاً منهم سبعة ضباط رفيعي المستوى تدربوا في تل أبيب للعمل على الأراضي السورية، وللقطري عدد من الضباط الكبار منهم من هو مقرب من سيدة قطر الثالثة أوالرابعة، لا أذكر تسلسلها بين زوجات الأمير، وأما السعودي فلا تسألوني!!.
نعم أعزائي القراء.. الإرهابيون السعوديون كُثر، وإذا ذكرت قصصهم، صدقوني سوف تعود هيلاري كلينتون إلى السعودية (وتعمل فركة أذن لقادة الأجهزة الأمنية السعودية)، لإرسالهم عناصر بدرجة الغباء الذي ساهم بفشل المشروع الأمريكي في سورية، ورغم أن أياديهم تلطّخت بالدم السوري وآلمتنا، ولكن (شر البلية ما يضحك) فقصص الإرهابيين السعوديين لا تصلح إلا سيناريوهات لمسلسلات كوميدية، وهؤلاء القتلة لديهم من الغباء ما لا يملكه إلا من أرسلهم، وكون هؤلاء الدول.. عفواً الشجعان الثلاثة قد تورّطوا في الإرهاب، عليهم حصد النتيجة، فحين منحتهم سورية الفرصة الأولى والأخيرة عبر مبادرة جامعة الدول العربية رفضوها واعتبروها فرصة لإعادة تسليح ولملمة العصابات، والشجعان الثلاثة (سعود الفيصل وحمد بن جاسم وأردوغان) كلّ واحد منهم ظنّ نفسه إينشتاين و( يلي ما عملو الناتو بشهور رح يعملوه أثناء عمل المراقبين العرب)، إلى أن وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، فالشيخ حمد بن جاسم طلع الشعر على لسانه وصار بحاجة حلاق لكثرة ما طالب بدخول قوات إلى سورية، أما أردوغان فصار الحلاق حالق شعر لسانه مرتين على قدر ما قال سيعمل منطقة عازلة وعلى قدر ما منح سورية "الفرصة الأخيرة"، أما الأمير سعود الفيصل فقد بدأ الشعر ينمو على لسانه وهو يقول سنسلح المعارضة السورية (التي تقاتل بالسلاح المموّل من قطر والسعودية)، ولكن ما يجمع الشجعان الثلاثة أنهم لا يقرؤون معنى أن تطلب سورية من كوفي أنان ضمانات خطيّة بوقف تسليح العصابات الإرهابية ووقف إرهابها، والأكثر استهجاناً هو أن هذه الدول لا تدرك أن المنطقة ضمن دائرة كسر العظم (وخلص وقت اللعب) أو أنهم لا يملكون القرار بمشاهدة الأرض.
عن الأيام القادمة..؟
للحقيقة.. وحتى هذه اللحظة لا يمكن التكهّن بمدى جدية واشنطن، والتزامها بخطة أنان وقرار مجلس الأمن، ولكن يمكن الجزم بأن مرحلة الصراع مع سورية قد بدأت ولم تعد مجرد إرسال رسائل، فأول الغيث قد هطل وباقي الرعود والعواصف والمفاجآت القادمة قادمة، فمن المسلّمات أن العصابات لن تستولي بعد الآن على أي منطقة في سورية، والتسلّل عبر الحدود قد أصبح أكثر صعوبة، بل وأصبح طريقاً إلى الموت في معظم الحالات، وربما بطريقين في حالات قادمة. لكن وبدون ضحكة شريرة أقول للسيد رجب طيب أردوغان مجرد سؤال واحد: هل تدرك معنى ترشّح زعيم الإنقلاب العسكري المصري على حسني مبارك، قائد جهاز المخابرات المصري عمر سليمان للانتخابات المصرية؟.. وهل سأل السيد أردوغان الأمريكيين عن المفاجآت والأوراق التي لم تُكشف حتى الآن والتي يمكن كشفها من قبل سورية ومن يقف خلفها وحولها؟.. هل سأل السيد أردوغان لماذا الإنجليزي حذر وتارة يصعّد وتارة يتراجع، أشك في ذلك، ولكن ليكن ترشيح عمر سليمان رسالة لأردوغان كي يقاتل حتى الرمق الأخير ضد سورية، فنهاية مشروع تقسيم سورية هو نهاية الحاجة للإسلام السياسي المتصهين، ووظيفية التكفيريين فقط التقسيم، وحين يسقط التقسيم الطائفي والمذهبي سيسقطون.
كلمة أخيرة..
فيما سبق استطعت المقارنة بين عهد بوش الصغير (الثاني) وأوباما الأول، حين كان الأمريكي والإنجليزي والصهيوني يقاتلون بالواجهة في أيام بوش الصغير، وحين أصبحوا اليوم يقاتلون بالوكالة عبر الفرنسي والقطري والتركي والسعودي في عهد أوباما، بين عهد بوش حين كان مجلس الأمن مجلساً أمريكياً وعهد أوباما حين عاد مجلس الأمن لعجزه قبل عقدين من الزمن، بل وليس عجزاً إنما أصبح مجلس الأمن يوافق على إرسال كوفي أنان الذي يحاول الأمريكي عرقلة مهمته، وكون الأمريكي في النهاية هو صاحب القرار التركي القطري السعودي سنناقش في المقالات القادمة واشنطن الى أين، ولماذا وافقت على مهمة أنان للحل في مجلس الأمن وتعرقلها عبر أدواتها (الشجعان الثلاثة)؟!!.
كفاح نصر
0 comments: