ظاهرة الاقتراب من الموت
لم يعد هناك أدنى شك بوجود ظاهرة أخرى غير مألوفة فرضت نفسها بقوة على الساحة العلمية ، يشيرون غليها بحالة الاقتراب من الموت . تجلّت هذه الظاهرة بين جميع المجتمعات البشرية ، باختلاف ثقافاتها و مشاربها ، و عبر فترات التاريخ ، القديمة و الحديثة . و مرّ بهذه الحالة الكبار و الصغار ، الروحانيين و الدنيويين ، علمانيين و دينيين … و هناك أمثلة كثيرة على حالات الاقتراب من الموت يدخل فيها الأشخاص المتشككين الذين لم يتوقّعوا وجود هذه الظاهرة أساساً !. ـ بعد التقدم الذي شهدته وسائل الإنعاش الطبية ، مما ساعد الأطباء في إعادة الكثير من الأشخاص من حافة الموت ، لوحظ نشوء حالة غريبة في مختلف الأوساط الطبية حول العالم ، و تتمثّل بتلك التصريحات التي تدلي بها نسبة كبيرة من العائدين من حالة الموت ! و عن تجاربهم الغريبة التي عايشوها خلال فترة موتهم المؤقت !. اجتمعت جميع تلك التصريحات المختلفة ، و القادمة من جميع أنحاء العالم ، إلى وجود عالم آخر تجري أحداثه خارج أجسادنا الفيزيائية !. و كان تأثير هذه التجربة على الذين خاضوها كبيراً ، خاصة من الناحية العاطفية و الروحية ! و هذا جعلهم يحدثون تغييرات كبيرة في حياتهم الشخصية بعد تلك التجربة !. ـ يقول الدارسين في العلوم الروحية ( من جميع التقاليد و الفلسفات الروحية المختلفة ) أنه خلال حدوث أزمة صحيّة شديدة مما يجعل الموت محتماً ، يغادر الجسد الأثيري ( أو الروح أو غيرها من مصطلحات ) الجسد الفيزيائي ، و يدخل في المرحلة الأولى من العالم الآخر . لكن إذا لم يتم حصول حالة الموت ، يعود الجسم الأثيري إلى موقعه في الجسم الفيزيائي . ـ يقول العلمانيون المتشككون أنه لا يوجد شيء اسمه الجسد الأثيري ( أو الروح ) . و كل ما يخوضه الشخص أثناء حالة الموت هو عبارة عن نتيجة محتمة للاختلالات الحاصلة في الجسم الفيزيائي الذي يعاني من انهيار تدريجي مما يؤدي إلى حصول هلوسة تسبب بظهور صور و مشاهد و مشاعر وهمية يعيشها ذلك الشخص في داخل عقله فقط !. ( المشكلة مع هؤلاء المتشككين هي أنهم يعتمدون في تفسيراتهم المختلفة على العقل مع أنهم لا زالوا عاجزين عن وضع تعريف مناسب له ، و لا إثبات أو تحديد مكان وجوده حتى هذه اللحظة ) . ـ أشارت الدراسات إلى أن حالة الاقتراب من الموت تحصل غالباً خلال مرض أو عملية جراحية ، أو حالة ولادة ، أو حوادث ، أو سكتة قلبية ، أو محاولة انتحار . ـ أحد الباحثين الأوائل في هذا المجال هو الطبيب و الفيلسوف ، الدكتور ” ريموند مودي ” ، الذي بدأ عمله في هذا المجال كعلماني متشكك ، لكنه الآن مقتنع تماماً بواقعية هذه الظاهرة و ما تخفيه مرحلة الموت من عوالم حسية و إدراكية غامضة . كان كتابه الأوّل الذي نتج عن مراحل أبحاثه الأولى بعنوان : الحياة بعد الحياة ، 1975م . و اعتبر هذا الكتاب من الأعمال الكلاسيكية العالمية المهمة . و قام بتأليف كتابين آخرين في عامي 1983م و 1988م ، بحثا هذه الظاهرة بشكل أوسع . بعد أبحاث الدكتور مودي ، فتح مجال واسع على مصارعيه لأبحاث عصرية أخرى . فمنذ العام 1975م ، أجريت دراسات كثيرة في بلدان مختلفة ، و أنشأت جمعيات عالمية عديدة ، بالإضافة إلى منشورات و مجلات مخصص تتناول هذا الموضوع و تتمحور حوله . أما الكتاب المهم الذي نال شهرة واسعة ، فهو من تأليف الباحثة الأسترالية ” شيري سوثرلاند ” ، ( صدر في العام 1992م ) ، يحتوي على 150 حالة تم بحثها من قبل أكاديميين بارزين حول العالم . لاحظ الدكتور مودي وجود تشابه كبير بين تجارب الأشخاص الذين أجرى عليهم دراسته . و هذا ساعده على التعرّف إلى خمسة عشرة عنصر يعتبر قاسم مشترك بين جميع الحالات ، و قام بعدها بتأليف حالة خيالية تحتوي على جميع هذه العناصر . فكانت التالي : ” … رجل يدخل مرحلة الموت …. و بعد الوصول إلى مرحلة اليأس الكامل من وضعه الفيزيائي ، يسمع الدكتور الذي فحصه و هو يقول للممرضات : ” لقد توفي ” .. بدأ بعدها يسمع صوت غير مريح .. رنين أو طنين صاخب مرتفع الوتيرة .. و بنفس الوقت يشعر بأنه يسير بسرعة في داخل نفق مظلم طويل … بعدها يجد نفسه خارج جسده .. و يرى ذلك الجسد الملقى على السرير من مسافة معيّنة … يراقب الأحداث كأنه مشاهد لها و ليس مشارك فيها .. فيشاهد كيف تتم محاولة إنعاش جسده الفيزيائي من موقع بعيد .. يصبح في حالة هيجان عاطفي كبير .. بعد فترة قليلة ، تهدأ العواطف المتهيّجة … و يبدأ بالتأقلم مع حالته الجديدة و يألفها … يكتشف بأنه لازال يملك جسداً .. لكنه يختلف في مكوناته و طبيعته و قدراته عن ذلك الجسد الفيزيائي الذي خلفه وراءه …. يبدأ بعدها حصول أشياء كثيرة .. يأتي آخرون من ذلك العالم لمقابلته و مساعدته .. يتعرّف عليهم على أنهم أقربائه و أصدقائه الذين فارقوا الحياة من قبل .. بعدها … يجد نفسه في مواجهة كيان نوراني مشعّ .. تنبثق منه نور غريبة لا يمكن وصفها .. يشع بالمحبة و الدفء و غيرها من مشاعر حميمة لم يألفها من قبل .. يظهر هذا النور المبهر الحنون أمامه … فيسأله أن ينظر إلى الماضي و يقيّم حياته التي عاشها في الدنيا … يسأله بطريقة تخاطرية واضحة المعاني و يملأها الحنان الذي لا يمكن وصفه … فيبدأ بالرجوع إلى تفاصيل حياته الدنيوية … فتمرّ جميع أحداث حياته و مجرياتها في ذهنه ، بسرعة خاطفة ، لكنه يدركها جميعها ، بكل تفاصيلها .. يدركها خلال لحظات سريعة .. بطريقة غريبة لا توصف بالكلمات أو المعدلات الفيزيائية الزمنية .. يشعر في مرحلة معيّنة بأنه يقترب من سدّ فاصل .. أو حاجز يبدو أنه يمثُل الحد الفاصل بين العالم الدنيوي و العالم الآخر … ثم يكتشف فجأة بأن وجب عليه العودة إلى الدنيا .. و أن موعد موته لم يحين بعد … في هذه النقطة بالذات ، يبدأ بالمقاومة .. فهو قد تآلف مع عالمه الجديد و لا يريد العودة .. فهو في حالته الجديدة مغمور كلياً بمشاعر قوية بالبهجة و الحب و السلام ……. لكن رغم رغبته في البقاء و عدم العودة ، يجد نفسه قد عاد فعلاً إلى جسده الفيزيائي ….. فيعيش من جديد . يحاول بعدها أن يروي للآخرين عن تجربته التي خاضها في العالم الآخر … لكنه يواجه صعوبة كبيرة في فعل ذلك .. السبب الأوّل يعود إلى أنه لا يستطيع إيجاد الكلمات اللغوية المناسبة لوصف تلك التجارب الغير دنيوية .. و تلك المشاعر الغير دنيوية .. و التي ليس لها مصطلحات دنيوية .. السبب الثاني هو السخرية التي يواجهها من قبلهم ، فيمتنع عن الكلام حول هذه التجربة و يحتفظ بتلك المعلومات لنفسه … لكن لهذه التجربة أثر كبير على حياته .. على نفسه .. على معتقداته و طريقة تفكيره … خاصة نظرته تجاه الموت و علاقته بالحياة ..” . ( مودي : 1975م ) ـ الدكتور ” كينيث رينغ ” ، الذي قام بدراسة علمية حول ظاهرة الاقتراب من الموت ، في العام 1980م ، أكّدت جميع نتائجها ما ادعاه الدكتور مودي ، لكنه وجد أن الأشخاص مرّوا بهذه التجربة على مراحل ، و النسبة الكبيرة منهم وصلوا للمراحل الأولى فقط . ـ دراسات أخرى تابعة لباحثين مثل : ( كارليس أوسيس و أورلاندور هارالدسون ، 1977م ) ، و ( مايكل سابوهم و سارا كروتزيغر ، 1976م ) ، و ( إليزابيث كوبلر روس ، 1983م ) ، و ( كرياغ لونداهل 1981م ) ، و ( بروس غريسون و أيان ستيفنسون ، 1980م ) ، و جميعهم أيّدو ما وصفه الدكتور مودي عن هذه الظاهرة .
0 comments: